كاتب المقال
أ.م.د/سامح عبد الغني
وكيل كلية الإعلام “بنين”للدراسات العليا والبحوث -جامعة الأزهر الشريف بالقاهرة
على مَرِّ التاريخِ وعبر الأزمنةِ والعصورِ تلوحُ في الأُفُقِ بوادرُ لنهضةِ الأُمَمِ والشُّعوبِ وتقدُّمِها، وتظهرُ في سماءٍ الدنيا نُجومٌ تتألَّقُ في سماءِ العطاءِ البشريِّ، والتقدُّمِ الحضاريِّ، تنعقدُ عليهم الآمال في الأخذِ بأيدي البشريَّةِ إلى طريقِ الخيرِ والعدلِ والرَّشادِ، ويَشهدُ التاريخُ لأصحابِ الأدوارِ الرَّائدةِ في تطوُّرِ البشريَّةِ وتقدُّمِها بما قدَّموه للحضارةِ، ولِنهضةِ الأُمَمِ والشُّعوبِ.
ويأتي في مُقدِّمةِ هذه الشموسِ المُضيئةِ، والنُّجومِ السَّاطعةِ “الأزهرُ الشَّريفُ” الذي ملأ الدنيا عِلمًا، وحضارةً، وعطاءً، يُؤدِّي دورَه بلا كَلَلٍ أو مَلَلٍ لِتشهدَ البشريَّةُ أُنموذجًا يُحتذَى به في العطاءِ البشريِّ في شتَّى الميادينِ، ولِتظهرَ في الأُفُق شمسٌ لا تغيبُ في سماءِ العِلمِ والمعرفةِ.
فلا تَخفَى على أحدٍ- كائنٍ مَن كان- مكانةُ الأزهرِ السَّاميةُ التي صَنعَها أبناؤُه منذ مئاتِ السِّنين، وتوارثَها الرٌّوادُ جِيلًا بَعد جِيلٍ.. إنَّها المكانةُ التي جسَّدتِ الدَّورَ البارزَ الذي قام به الأزهرُ في كُلِّ العُصورِ في شتَّى المجالاتِ، والتي شَهِد بها القَاصِي والدَّانِي، والتي جعلتِ الجميعَ يَرفعُ القُبَّعةَ إِجلالًا وتقديرًا واحترامًا لهذا الصرحِ الكبيرِ الذي احتلَّ مكانتَه العالميَّةَ بين الأقطارِ والأمصارِ المختلفةِ، وجعل مُنتسبِيه ينثُرونَ الخيرَ في مشارقِ الأرضٍ ومغاربِها في صُورةٍ مُضيئةٍ تَظَلُّ مَدعاةً للفَخَارِ والاعتِزازِ ليَصدَحُوا في رُبُوعِ الدنيا بأنَّهم أبناءُ الأزهرِ..
وإذا أردتَ أن تعرفَ مِن أين أتتْ هذه المكانةُ، ولماذا حازَ الأزهرُ هذا السَّبقَ الذي لا يُدانِيه فيه أحدٌ فارجِعْ إلى تاريخِ الأزهرِ قديمًا، وتتَبَّعِ الدورَ الذي يقومُ به في عصرِنا الحاضرِ في شتَّى الميادينِ.
فلا يَخفى على أيِّ مُنصفٍ دَورَ الأزهرِ التاريخيَّ في محاربةِ الاستعمارِ ومُواجهةِ الغاصِبين، ووقُوفِه مع المصالحِ الوطنيَّة في أزمنةِ الصِّراعاتِ والأزماتِ كصَمَّامِ أمانٍ يَدْعَمُ الاستقرارَ، ويُقوِّضُ الفوضَى والعُنفِ والكراهيةِ، ويحثُّ على التَّآلفِ والتَّكاتُفِ واللُّحمةِ الواحدةِ بين أبناءِ الوطنِ.
ولا تُخطِيءُ عينٌ ناقِدةٌ بصيرةٌ دورَه الرَّائدَ في نشرِ الفِكرِ الوسطيِّ، وقَبُولِ الآخرِ، ونشرِ التَّسامُحِ، ومُحارَبةِ الغُلُوِّ والتَّطرُّفِ والأفكارِ الشَّاذَّةِ التي تعُجُّ بِها المُجتمعاتُ المُعاصرةُ، وتَنتهِجُ التَّطرُّفَ والفِكرَ الأُحاديَّ، وتعتمدُ على التَّهميشِ والإِقصاءِ.
والمُتَتبِّعُ للجوانبِ الاجتماعيَّةِ والاقتصاديَّةِ يُدركُ جيدًا دورَ الأزهرِ المُجتمعيِّ في التَّعاطي مع المُشكلاتِ والأزماتِ الاجتماعيَّةِ والاقتصاديَّةِ، وبَذلَه الغَاليَ والنَّفيسَ للحدِّ من تأثيرِ هذه الأزماتِ على الأفرادِ والشُّعوبِ في صورةٍ مُشرقةٍ تُظهِرَ بكُلِّ وضوحٍ الدَّورَ الإنسانيَّ والاجتماعيَّ لهذا الصرحِ الكبيرِ.
وفي قضايا الأُمَّةِ الكبرى يُغرِّدُ الأزهرُ منافحًا ومدافعًا عن القضايا الإسلاميَّةِ والعربيَّةِ؛ لتصلَ رسالتُه للجميعِ بأن الأزهرَ ليس بمَعزِلٍ عن همومِ الأُمَّةِ، يعيش أحزانَها وأتراحَها، ويَتفاعلُ مع قضاياها المحوريَّةِ، ولا يتأخَّرُ ولا يَتَوانَى أبدًا عنِ الدِّفاع عنها ضدَّ الغاصِبين.
ولا يُمكنك- بأيِّ حالٍ من الأحوالِ- أن تغفَلَ دورَه العَالَميَّ كمنارةٍ للعِلمِ تجمعُ أطيافَ البَشرِ وأجناسَهُم تحتَ مِظلَّةٍ واحدةٍ؛ يَنهلُون من مَشاربٍه وعُلومِه؛ ليعودوا لبلادِهم يحمِلون مشاعلَ الهُدَى، ويُنِيرُون دُروبَ المعرفةِ لأقرانِهم كسُفرَاءَ لِأعْرَقِ مُؤسسةٍ تعليميَّةٍ ودعويَّةٍ عَرَفتْها البشريَّةُ.
وفي خِضمِّ المذاهبِ الفكريَّةِ الوافدةِ، والحضاراتِ الزائفةِ التي تسعَى للهيمنةِ الفكريَّةِ، والتَّغريبِ الثقافيِّ وتحقيقِ الحاجاتِ الماديَّةِ للبشريَّةِ؛ يقفُ الأزهرُ حائطَ صدٍّ منيعٍ وصَمَّامَ أمانٍ أمام هذا السَّيلِ من الهجماتِ الوافدةِ؛ ليَنشُرَ الفِكرَ الوسطيَّ والحضارةَ الإسلاميَّةَ التي تَمزِجُ بين الحاجاتِ الماديَّةِ والرُّوحيَّةِ، وتسعَى لإقرارِ العَدلِ والمُساواةِ، وتُحققُ الإخاءَ بين الشُّعوبِ على اختلافِ مشاربِهِم وألوانِهِم؛ ليَظلَّ الأزهرُ صاحبَ المكانةِ السَّاميةِ التي لا تتغيَّرُ بتغيُّرِ الزَّمانِ والأحوالِ.
إنَّه “الأزهرُ” شِريانُ الحياةِ، والقلبُ النَّابضُ للأُمَّةِ الذي يعيشُ قضَايَاهَا، ويُنافحُ عن حضارَتِها ووسطيَّتِها، ويُناضلُ من أجلِ وَحْدتِها ورِفعَتِها، ويَرسِمُ البَسمةَ على وُجُوهِ سَدَنَتِها؛ ليَظلَّ منارةً خالدةً وعَلامةً فارِقةً نُحاكي بها الدنيا في كُلِّ العُصُورِ والأزمانِ.
ماشاء الله مقال طيب ومبدع وملخص لجزء يسير من تاريخ ازهرنا الشامخ بعلمه وعلماءه على مر العصور
أبناء وعلماء الازهر ملئ السمع والبصر في كل ربوع العالم واعظين ومعلمين ومحفظين ومقرئين
الازهر منارة في العلم والوطنية وقيادة الامة في احلك المواقف والعصور
حفظ الله الازهر وعلماءه وطلابه من عبث العابثين